أُلفت العديد من الكتب، ووضعت الدراسات لتناول الفترة التاريخية من عمر الوطن العربي التي خاضتها دُوَله في طلب الاستقلال والتحرر والحصول عليه. فمنها من تابع الأحداث التاريخية وسجّلها، ومنها تتبع الحركات الوطنية وآخر قام بتحليل لهذا أو ذلك. ولكن ما يقدمه هذا الكتاب والدراسة التي يحتويها هو رؤية جديدة تمامًا بدأت من أوليات ومسلمات، فدرستها وقدمت لها تعليقًا وتحليلًا جديدًا؛ حيث يقوم الدكتور (تميم البرغوثي) في كتابه بتفسير حالة التبعية التي تسيطر على دول الوطن العربي، يبين كيف أن الاستعمار يخلق دولًا ومواطنين ويحدد نظمًا لهم تضمن استمرار هذه التبعية في حالة الحصول على الاستقلال. ليس هذا فحسب بل والتشبث بكل أساليبه حتى تصبح هذه النظم، ما هي إلا بديلًا له مهمته الأولى الإبقاء على مصالحة وهيمنته. واتخذ المؤلف من (مصر) و (حزب الوفد) نموذجًا، وكان أساس الدراسة هو نظرية "ما بعد الاستعمار" ولكن في إطار سياسي. وقد جاء الكتاب على ستة فصول بعد مقدمة وافية هي بمثابة أرض صلبة يتحرك عليها القارئ المتخصص أو غير المتخصص. إنه كتاب يقدم رؤية جديرة بالمطالعة وإتاحة الوقت للتمعن فيها فيما تقدمه من تفسيرات.
يهدف هذا الفصل لتوضيح أن النخبة الوطنية المصرية خلقها الاستعمارُ سياسيًا واقتصاديًا، وأنها وإن كانت من صنيع المستعمِر فقد طوّرت مصالحها ومطالبها الخاصة، كما أن هذه المصالح كانت تابعة لأوروبا ومعتمدة عليها بنفس القدر التي كانت تعتمد عليه لكونهم من أهل البلاد، وهو ما خلق التمثيل أو الوساطة كما نطلق عليها هنا فقد كان هؤلاء القادة وسطاء بين القوة الاستعمارية وأهل بلادهم.
وسنتناول هذه العملية من وجهين أولهما: الوجه الاقتصادي، حيث سنتعرض فيه لعملية خصخصة الأراضي وانهيار نظام الاحتكار الذي أسسه (محمد علي) والتي بدأت باتفاقية لندن عام 1840 م وقد خلقت هذه العملية طبقة من مُلاك الأراضي الزراعية شديدي التبعية والاعتماد على الأسواق الأوروبية، بينما هم مستقلون نسبيا عن الخلافة والخديوية.
وثانيهما: الوجه السياسي، حيث نتتبع فيه دور القوة الاستعمارية في خلق 'مصر' معترف بها دوليًا، ثم تصعيد أفراد من النخبة الاستعمارية-المحلية ليكونوا ممثلين ونوابًا عن أهل مصر، ويوازنوا سلطة الخديوي. وقد نتج عن هذا التقسيم السلطوي أنْ فتح مجالات عدة للتدخل الأجنبي في مصر، فقد أدى التدخل لصالح الخديوي في عام 1882 م إلى الاحتلال البريطاني، وأدى التدخل لصالح النخبة المحلية عام 1914 م إلى إعلان الحماية البريطانية على مصر.
في السنوات القليلة الأولى من القرن التاسع عشر، كانت معظم الأراضي المصرية مملوكة للدولة، ولكن أفرادًا مستقلون كانوا يجبون الضرائب عنها دون الدولة المالكة لها، وهو نظام الالتزام المعروف، حيث يدفع الملتزم ضريبة عن قطعة من الأرض للدولة، ثم تُطلق يده في جباية ما يشاء من الضرائب من الفلاحين. وقد شملت احتكارات (محمد علي) لوسائل الإنتاج في مصر، ملكية الأراضي. وبين عاميْ 1808 م و 1814 م كان قد صادر كل الأراضي التابعة للملتزمين تقريبًا كما سيطر على أراضي الأوقاف التي كانت مُعفاة من الضرائب. وقد تكوّنت نخبة وطنية مصرية جزئيًا كنتيجة لانهيار احتكارات (محمد علي) وانتقال الأراضي المستمر لملكية الأفراد تبعًا لواحد من شروطه في اتفاقية لندن.
وبالرغم من الحيل المتعددة من (محمد علي) ليتفادى تنفيذ اتفاقية لندن وبعد هزيمته العسكرية وتفاقم العلاقات بينه وبين السلطان العثماني، فقد ترتب عليها في نهاية المطاف خصخصة الأراضي الزراعية، وكان (محمد علي) قد أدخل زراعة المحاصيل التجارية في مصر على رأسها القطن وربطها تمامًا باقتصاد أوروبا إلا أن نظام الاحتكار جعل من التجارة الزراعية مع أوروبا تُنتِجُ فوائض كافية لتأسيس قوة عسكرية وسياسية، بل وبِدء بعض المشاريع الصناعية، أما خصخصة الاقتصاد فقد أدت مع هذا الارتباط التجاري بين مصر وأروبا إلى تبعية مصر الاقتصادية وإلى مشكلة دَيْن متفاقمة، بل لقد كانت هذه العلاقة بين الخصخصة والدَّيْن دائرية بمعنى كلما خصخصت الأراضي قلّت الفوائض التي تصل إلى خزينة الدولة؛ فتستدين. وكلما عجزتْ عن السداد قامت بنصيحة قناصل بريطانيا وفرنسا بخصخصة مزيد من الأراضي وبيعها وهلم جرًّا، وقد أدى تملُّك الأفراد لهذه الأراضي المباعة إلى تكوُّن النخبة الوطنية محل الدراسة.
لقد خُلقت هذه الطبقة من ملاك الأراضي إذن عبر عملية خصخصة أشرف عليها الاستعمار في كل مراحلها تقريبًا، وعملية الخلق هذه ما هي إلا نقل ملكية الأراضي -وسيلة الإنتاج الأولى في مصر- من الحكومة - التي كانت تحتكر الفائض الزراعي فتبني السفن والترسانات -، إلى الأفراد الذين اقتسموا هذا الفائض فلم يعد يصلح للمشاريع الكبيرة. والعجيب في الأمر أن هذه الطبقة هي التي قادت حركة الاحتجاج الوطني بعد ذلك. والتناقض هنا هو أن ملاك الأراضي كانوا يقاومون نظامًا خلقهم بالأساس، بل واعتمد وجودهم كطبقة سياسية عليه. فلم تكن هذه الطبقة على خلاف اقتصادي مع أوروبا رغم وجود خلاف سياسي، فهم مستفيدون من الترتيب الاقتصادي الاستعماري كوسطاء اقتصاديين، وهذا بدوره أدى إلى أن تختار القوى الاستعمارية التعامل معهم دون غيرهم كممثلين عن عامة أهل البلاد. وإنّ منحهم الصفة التمثيلية، كان يعني منحهم قدرًا من السلطة السياسية.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان